شركة الرواد للاستثمارات العالمية – أعلنت الهيئة العامة للمناطق الاقتصادية الخاصة والمناطق الحرة في عُمان (أوباز) مؤخراً عن تخصيص مساحة 150 كيلومترا مربعا، أي ما يعادل حوالي 21 ألف ملعب كرة قدم، في الدقم لتوليد الطاقة الشمسية لإنتاج الهيدروجين الأخضر. يأتي ذلك في أعقاب الإعلان الذي أصدره ميناء صحار سابقًا عن تحويل الميناء الصناعي إلى مصدّر عالمي للهيدروجين الأخضر عن طريق الطاقة الشمسية وباستخدام تكنولوجيا التحليل الكهربائي.
وتمثل مساحة مشروع الدقم -وإن كانت كبيرة- جزءًا صغيرًا من الصحاري الشاسعة في عُمان، والتي تمتد إلى أكثر من 250 ألف كيلومتر مربع. نظرًا لوجود مناطق واسعة غير مأهولة ذات إشعاع شمسي عال، فإن السلطنة في موقع يؤهلها لتصبح رائدة عالميًا في مجال تصدير الهيدروجين الأخضر وكذلك مساندة دول العالم في الانتقال إلى مستقبل مستدام. إن معدل الطاقة الشمسية الصادرة يومياً في بعض المواقع في السلطنة، كولايتي منح وأدم، يصل إلى 6.5 كيلوواط ساعة للمتر المربع، وهو أكثر من ضعف المعدل المتوفر في أوروبا على سبيل المثال. على هذا النحو، في مساحة 150 كيلومترا مربعا فقط، يمكن أن تنتج عُمان ما يصل إلى 45 ألف جيجاواط ساعة من الطاقة الشمسية سنويًا. بهذه القيمة، يمكن لعُمان توليد طاقة كافية لتشغيل أجهزة التحليل الكهربائي التي من شأنها أن تولد 60% من كمية الهيدروجين المستهلكة محلياً. وبالتالي، فإن طاقة الهيدروجين المُنتجة ستعادل ما يقارب 10% من الغاز الطبيعي المستهلك محلياً، أو حوالي 16٪ من الصادرات السنوية للغاز الطبيعي. يمكن أن يؤدي ذلك إلى تقليص 5 مليون طن متري من انبعاثات الكربون سنويًا، أي ما يعادل قيادة مليون سيارة ركاب لمدة عام واحد. ومع ذلك، تتطلب مشاريع الهيدروجين الأخضر الضخمة بشكل تراكمي كميات هائلة من المياه المحلاة لإنتاج الهيدروجين عبر تقنية التحليل الكهربائي.
إن مشروع الدقم لإنتاج الهيدروجين الأخضر وحده يحتاج ما يعادل 2% من إنتاج المياه السنوي في السلطنة. بالإضافة إلى ذلك، تتطلب مشاريع الهيدروجين الأخضر تطوير البنية التحتية للإنتاج والتخزين والتوزيع وكذلك تأسيس معرفة التشغيل. في المقابل فإن الاهتمام الذي أبداه العديد من المستثمرين المحليين والدوليين للاستثمار في الهيدروجين الأخضر، ووجود مؤسسات مركزية للتميز، مثل مركز عُمان للهيدروجين في الجامعة الألمانية للتكنولوجيا في حلبان، بالإضافة إلى الموقع الجغرافي الإستراتيجي لعُمان والخبرة الواسعة في قطاع الطاقة، كل هذا يوجد ميزة تنافسية سوقياً تساهم في تخطي التحديات المرتبطة بتطوير أسواق الطاقة الناشئة ويتيح الفرصة لسلطنة لتوسيع نطاق الإستثمارات في مجال الطاقة.
لن يؤدي الاستثمار في الهيدروجين الأخضر إلى نقل السلطنة إلى مستقبل مستدام بيئيًا فحسب، بل سيوجد أيضًا فرصًا للتنويع الاقتصادي. إن الترابط بين إنتاج الهيدروجين الأخضر وتقنيات الطاقة المتجددة يوجد فرصًا للشركات الناشئة للظهور وكذلك لفئات أكبر من المجتمع المحلي للمشاركة في تنفيذ تحول الطاقة ضمن سلسلة القيمة المضافة بأكملها. غير أن الأسواق الناشئة، بما في ذلك الهيدروجين الأخضر، تتطلب حضانة تكنولوجية دقيقة في مراحلها الأولى وكذلك الدعم السياسي، ولذلك يجب أن تخلق سياسات الطاقة بيئة جذابة لزيادة الطلب على الهيدروجين الأخضر، مثل دعم عملية بيع الهيدروجين الأخضر مادياً ووضع خطة لحقن الهيدروجين الأخضر في شبكات الغاز الطبيعي، وكذلك إدخال سياسات طاقة تهدف إلى زيادة العرض عن طريق تطوير البنية التحتية للهيدروجين وتعزيز مشاركة المجتمع المحلي ودعم الشركات الصغيرة والمتوسطة الناشئة في هذا المجال وإبرام اتفاقيات تعاون مشتركة مع الفاعلين الدوليين وزيادة الإنفاق على البحث والتطوير. هذا من ِشأنه أن يتماشى مع رؤية عُمان لعام 2040، والتي تهدف إلى تقليل حواجز المشاركة الاقتصادية المحلية من قبل كافة فئات المجتمع وتعزيز القيمة المضافة وإنشاء بيئة مستدامة وكذلك إنماء رأس المال الاقتصادي والتكنولوجي والمعرفي في المجتمع. يُعد أيضاً التعاون بين الحكومة والمؤسسات البحثية والشركات والمجتمع المدني ومراكز التميز أمرًا ضروريًا لضمان التطور الناجح لتكنولوجيا الهيدروجين الأخضر. هذه فرصة ذهبية لعُمان لإجراء تحول عميق في مجال الطاقة من شأنه إحداث تأثير إيجابي على المستويات الاقتصادية والبيئية والاجتماعية على حد سواء.
لقد تطوّر الهيدروجين، وهو العنصر الكيميائي الأكثر وفرة في الكون، على مدى العقود الماضية إلى سوق عالمي رئيسي، ومن المتوقع أن يلعب دورًا اقتصاديًا أكثر أهمية في العقود القادمة. فمنذ عام 1975، تزايد الطلب العالمي على الهيدروجين ثلاث مرات، ومن المتوقع أن يزداد الطلب بحلول عام 2050 إلى أربع أضعاف الحجم الحالي، ليصل إلى مستوى قياسي يبلغ 287 مليون طن.[1] ولكن اليوم، يعتمد ما يقرب من 96٪ من إنتاج الهيدروجين العالمي على الوقود الأحفوري، المعروف باسم الهيدروجين الرمادي، ويستخدم بشكل رئيسي كمادة وسيطة في صناعات التكرير والأمونيا. يستهلك الهيدروجين وحده حوالي 6٪ من مجموع إنتاج الغاز الطبيعي العالمي، وبالتالي هو مساهم رئيسي في انبعاثات الغازات الدفيئة.[2] غير أن فكرة إنتاج الهيدروجين الأخضر هي ليست مقتصرة على استبدال أسواق الهيدروجين المدرجة اليوم بهيدروجين أكثر استدامة بيئياً، ولكن أيضًا لاختراق أسواق جديدة هي حبيسة في اعتمادها على الوقود الأحفوري اليوم. فهناك إجماع من قبل العلماء والباحثين بأن استبدال الوقود الأحفوري بمصادر الطاقة المتجددة في قطاع الكهرباء وحده ليس كافياً لإزالة انبعاثات الكربون ومنع النتائج غير المرغوب فيها للتغير المناخي، فيجب أيضا إيجاد حلول جذرية لتحويل قطاعات كثيفة الاستهلاك للطاقة إلى قطاعات مستدامة. لذلك، يكتسب الهيدروجين الأخضر اليوم صيتاً واسعاً عالمياً كعنصر أساسي للانتقال نحو مستقبل مستدام.
بفضل ميزة «power to x»، والتي تسهم في تعدد استخدامات الطاقة وتحولاتها، يمكن للهيدروجين الأخضر أن يلعب دورًا مهمًا في تخزين الطاقة النظيفة على نطاق واسع واستبدال الوقود الأحفوري في مجالات الصناعة والكهرباء والتدفئة والنقل. فيمكن استخدام الهيدروجين الأخضر كمادة وسيطة لإنتاج الأسمدة غير العضوية والحديد الصلب والميثانول والمواد الكيميائية الأخرى، وكذلك المنتجات المُصنّعة كالزجاج ومواد الغذاء. من خلال استخدام تقنية خلايا الوقود لإنتاج الكهرباء، يمكن أيضًا استخدام الهيدروجين الأخضر كوقود للمركبات الثقيلة، بما في ذلك: الشاحنات والسفن والطائرات، فضلاً عن المساهمة في موازنة الشبكات الكهربائية. حاليًا، لا تزال تكلفة إنتاج الهيدروجين الأخضر أعلى نسبيًا من الهيدروجين الرمادي التقليدي. ولكن مع بدء تدفق الإستثمارات في الهيدروجين الأخضر بشكل كبير، فإن تعزيز كفاءة التكنولوجيا وكذلك اقتصاديات التوسع الحجمي الناجمة عن نمو الإنتاج ستجعل الهيدروجين الأخضر منتجًا منافسًا دوليًا.
على الصعيد العالمي، يوجد في الوقت الحاضر 9 دول أقرت استراتيجية وطنية للهيدروجين، بما في ذلك: ألمانيا واليابان وأستراليا وإسبانيا، و11 دولة أخرى تعمل على وضع اللمسات الأخيرة لإقرار استراتيجياتها. تشكل هذه الدول مجتمعة أكثر من 40٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ومن المتوقع أن تتضاعف هذه النسبة لتصل إلى 80٪ بحلول عام 2025.
وفي الواقع، بدأت العديد من الدول في تنفيذ مشاريع الهيدروجين الأخضر. فعلى المستوى التكنولوجي، تُشغّل ألمانيا حاليًا قطارًا هيدروجينيا يربط ما بين مدن محلية على خط سكة حديد يصل طوله إلى 100 كيلومتر، وهي تخطط أيضًا لإنشاء 14 قطارًا إضافياً بحلول عام 2021. وفي أستراليا، يتم وضع خطط استراتيجية لاستبدال الهيدروجين الرمادي بالهيدروجين الأخضر كمادة وسيطة لإنتاج الأسمدة الغير عضوية في مصنع بيلبارا للأمونيا.
وعلى مستوى السياسي، وقعت اليابان وأستراليا على بيان مشترك للتعاون يستلزم تطوير تكنولوجيا الهيدروجين الأخضر وكذلك إنشاء طرق تجارة حرة للهيدروجين الأخضر بين البلدين. بالإضافة إلى ذلك، حددت نيثيرلاندز هدفاً ببناء معامل قائمة على تقنية التحليل الكهربائي لإنتاج الهيدروجين بسعة إجمالية تصل إلى 500 ميجاوات بحلول عام 2025 و 3-4 جيجاوات بحلول عام 2030، بالإضافة إلى تحديد أهداف أخرى في مجال النقل والمواصلات لزيادة نسبة المركبات المعتمدة على الهيدروجين المستدام كمصدر للوقود.